الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

قصيدة سفرٌ سفر

لمعين بسيسو:

سَفَرٌ
سَفَرْ
موجٌ يُتَرْجِمُني إلى كلِّ اللّغاتِ
ويَنكسِرْ
موجاً على كلِّ اللّغاتِ
وانْكسِرْ
وَتَراً
وَتَرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
سُفنٌ كلابُ البحرِ أشرعةُ السُّفُنِ
وطنٌ يُفتِّشُ عَنْ وطنْ
زَمَنٌ
زَمَنْ؟
الهُدْهُدُ المخْصِيُّ كاتِبُهُ
وحاجِبُهُ ذُبابهْ
زمنٌ تكون به وحيداً
كالفراشة في سحابهْ
ياَ من يعلّمني القراءة والكتابهْ
ياَ من يُسمِّنُني بأشرعتي وأجنحتي
لسكينِ الرّقابهْ
تحيا الكتابهْ
تحيا الرّقابهْ
يحيا على فميَ الحجرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
* * *
مَطَرٌ على الشبّاكِ
في لون البنفسجِ والخُزامى
مَطَرٌ على المرآة
في لونِ الدّوالي والنّدامى
مَطَرٌ على البحرِ المسيّجِ
زبدٌ وعوسجْ
موجٌ يُعبّىءُ بالنّوارسِ
لي المُسدّسِ
طلْقةٌ في القلْبِ
نوْرسْ
يَا يَا زمانَ الماءِ
سكّينٌ هو القنديلَ
سكّينٌ
إذا اشْتعلَ الفتيلُ
دَمِي يسيلْ
جبريلٌ يَا جبريلُ
يَا جبريلْ
لا وطنٌ ولا تنزيلٌ
شجرٌ على الأمواجِ أشرعة الرّحيلْ
* * *
شجرٌ على الشبّاكِ يفتحههُ
ويدخل في دمي
شجراً
ويخرجُ من دمي
شجراً
شجرْ
ظلٌّ على الأمواجِ
ساعة حائط
راحت تدق الموجَ في قلبي
إبرْ
اللّيلُ مُرْ
الحبرُ مُرْ
اللّيلُ قرّْ
الرّيحُ صرّْ
أصابعُ الكفّينِ طيْرْ
النّجمُ ذئبْ
البحرُ كلْبْ
الشّمسُ نحلهْ
دارتْ ودارتْ فوق رأسِي
تطمئِنُّ وتبتعِدْ
زبدٌ
زبدْ
تفاحةٌ مثقوبة بفراشةٍ
وفراشةٌ مثقوبة برصاصةٍ
ورصاصة مثقوبة بجرادةٍ
حطّت على كفّي
وأضناها السَفَرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
البرقٌ شوكٌ في يديَّ
الرّعدُ عُشْبْ
غَزالةُ الأمطارِ تركض في المرايا المغلقهْ
يَا كمْ رضَعْتُ من المرايا
وانْكسرْتُ على المرايا
وانفجرتُ على المرايا
بُرْعُمًا في مِشْنَقَهْ
هذا الدّخانُ يفيضُ ملءَ يَديْكِ
ليس سوى حليبِ المحرقهْ
فخُذي من الطّاحون ما تعطيهِ
رملاً أو ضباباً
الآن كيفَ ترى لأرضكَ؟
كلّما زدّتَ اقترَاباَ
كلّما زدّتَ إغتراباَ؟
الآن كيفَ تَرَى لِنَجْمِكَ
كُلَّما زادَ ابْتِعَاداَ
كلّما زدْتَ امتداداَ
موجةٌ أُخرى وساقِيَّتي تدورُ
وفي دمي تمشي يدايْ
أمشي تُخبِّئني يدايْ
أمشي وتسبقني يدايْ
أمشي وتتبعَنْي يدايْ
أمشي وتكتبني يدايْ
أمشي وتقرأني يدايْ
أمشي وتذبحني يدايْ
فَيَا يديَّ
ويَا يديْ
وأظلّ أصرُخُ ياَ يديَّ
ويا أنا
صارَ الشِّراعُ قناعَ وجْهِي
من أناَ؟
القَرْمَطِيُّ؟
البَرْمَكِيُّ؟
القُرْطُبِيُّ؟
اللَّيْلَكِيُّ؟
الزِّنْبَقِيُّ؟
الدَّائِرِيُّ؟
اللَّوْلَبِيُّ؟
الأمْرِيكِيُّ؟
السُّوفْيَتِيُّ؟
أظلُّ أصْرُخُ والشِّراعُ قناعُ وجهي
من أناَ؟
طارت أنا
حطّتْ أنا
طارَ الحجلْ
حطَّ الحجلْ
طارتْ نعمْ
حطّتْ نعمْ
لا. لا. لا. لا
لا. نعمْ
نعمْ. لا
لا. نعمْ
طارَ الحجلْ
حطَّ الحجلْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
* * *
سلاماً أيّها المتراسُ
إن ضاقتْ بكَ المُدُنُ
فما ضاقت بكَ السُّفُنُ
ويا قدماً زرعتُ القمحَ فيها
وهي ترتحِلْ
شراييني التي قُطعتْ
شراييني التي تصلُ
لماذا لم أزلْ حيّاً؟
أنا المطعون بالزيتونِ والعَنْبِ
أ ساعةُ حائطٍ للنَّارِ
في السُّحُبِ؟
أ تمثالٌ من اللّهبِ؟
على قدميهِ قربانٌ من الحطب؟
أم الكبشُ الذي تركوهُ
للمَعْزَى من العربِ؟
وأين غزالةُ العربِ؟
وأيْنَ يمامةُ العربِ؟
ورُمحُ الدّولةِ العربِي؟ِ
وترسُ الدّولةِ العربِي
وشمسُ الدّولةِ العربِي؟
الكتابُ الأخضَرُ العربِي؟
وسَيْفُ الدّولةِ العربِي؟
إذا جئناهُ معتصِماً
وجدْناهُ أباَ لهَبِ؟
وخُذْ ماَ شئْتَ من حمّالةِ الخَطَبِ
من الخَطَبِ
وخُذْ ماَ شِئتَ من خُطبِ
معلَّبةٍ
كَماَ السّرْدينُ في العُلبِ
عُراةٌ كالمرايا
ما لها كفنٌ
وجلاّدٌ جوارِبُهُ
هي الوطنُ
أُبْرُكْ على الجرْحِ واشْرَبْ
أيُّها الجملُ
لقدْ عطشتَ طويلاً أيُّها الجملُ
لقدْ مشيْتَ طويلاً أيُّها الجملُ
لقدْ صَبَرْتَ طويلاً أيُّها الجملُ
فَهَوْدَجٌ أنت للسُّلطانِ مُرتحِلُ
وأنتَ قربانُ من حطُّوا
ومن رحلوا
لا شارِعُ لكَ فيهِ
شُبّاكٌ
ولا وطنُ
لكَ فيه لاَ بطلُ
ولاَ وثَنُ
عطشانُ لاَ عودُ ماءٍ
أنتَ تملِكُهُ
لكنْ لِخِطْفِكَ يمْشي البحْرُ
والسُّفنُ
جَوْعَانُ وهو عَلَى السِكِّينِ
سُنْبُلَةٌ
عُرْياَنُ وهو عَلَى صَحْرَائِهِمْ
غُصْنُ
والشَّمْسُ دُودَةُ قَزٍّ
كُلُّ ماَ سَكَبَتْ
مِنَ الحرِيرِ لَهُمْ
لكِنْ لَكَ الكَفَنُ
تُهدِي الجَرْحَ لَهُمْ طيْراً وفاَكِهةً
أمّا هديّتُهُمْ
فالمذبحُ العفِنُ
غادرتَ بيروتَ
ما بيروتُ قُرْطُبَةٌ
ولستَ أنْدَلُساً
ياَ أيُّهَا الوطنُ
إنّي أناَ المُتنبّي فوقَ عَصْرِكُمُ
حِذاءُ عصْري
أناَ المُستقْبَلُ الزَّمنُ
إنّي أناَ المُتنبّي سوفَ يقتُلُني
سَيْفُ لَهُ ذَنَبٌ
في عَنْقِهِ رَسَنٌ
لكِن سأصعدُ من سكِّينِكُمْ
قمراً
على ضفائِرِهِ يَسْتيقظُ الوطنُ
ضفادعُ
وردةٌ
بصلُ
منِ البطَلُ؟
ولاَ بَطَلُ
وعصْرٌ نصْفُهُ حطبُ
وعصْرٌ نصْفُهُ لهَبُ
وعصْرٌ كُلُّهُ عَجَبُ
ولاَ عَجَبُ
وعصرُ ماَ لَهُ حَسَبٌ
ولاَ نَسَبُ
وعصرُ ماَ لَهُ أمُّ أبُ
عصرٌ هو العجبُ
ولاَ عجبُ
فَشُرطِيُّ لهُ أسماؤهُ العربيّةُ الحُسْنَى
على كَرْباَجِهِ الحِرْباَءُ
تَشْربُ من دمي لوناً
فَبُورِكَتِ الزّناَزِينُ التّي صَارتْ
لناَ وطَناَ
وبورِكَ إِسْمُهُ العَجَبُ
ولاَ عجَبُ
فَشُرْطِيُّ عَنْ الأكْتَافِ
قد نَزَلاَ
و شُرْطِيُّ على الأكْتاَفِ
قدْ ركِباَ
و شُرْطِيُّ على جاَوِيشِهِ
انْقَلَباَ
وَجاَويشٌ على جِنِرَالِهِ
قُلِباَ
وَمُخْصِيُّ على المخْصِيِّ
قَدْ وَثَباَ
وَأنْجَبَ مَسْخَهُ العَجَباَ
ولاَ عجبُ
هُمُ العربُ
ولاَ عربُ
وقلبي في يدي جرسٌ
يدقُّ
فيعلنُ العَسَسُ
انْقِلاَباً اسْمُهُ القدسُ
ومُعْتَمِدٌ ومُعْتَضِدٌ وأَلْقابٌ وأنْدَلُسُ
ولاَ قُدْسُ
هُمُ العَسَسُ
هُمُ العَسَسُ
عَسَسٌ
عَسَسْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
* * *
سَفَرٌ هِيَ النِّيراَنُ فَوْقَ الوَجْهِ
طِينْ
والشَّمْسُ حَبَّةُ اسْبِرِينْ
جُنَّ النَّبِيُّ فَدَاوَاهُ بالياَسَمِينْ
جُنَّ النَّخيلُ مِنَ الرَّحِيلْ
وَالبُرْتُقَالُ الإِنْتِهَازِيُّ كَفُّ الماَءِ
كَيْفَ الرِّيحُ قَدْ مَالَتْ
يَمِيلْ
خاَنَتْكَ عاَئِشَةٌ وَخاَنَ المُسْتَحِيلْ
ياَ أَيُّهاَ الدَّمُ لَوْ تَقُولْ
ياَ أَيُّهاَ الفَمُ لَوْ تَقُولْ
قُلْهاَ وَعِشْ حَتَّى تَرَى
حَتَّى أَرَى
وَطَناً عَلَى رَايَاتِهِ
اِجْتَمَعَ الفَرَاشُ مَعَ الذُّبَابْ
وَطَناً عَلَى أَجْرَاسِهِ
اِخْتَلَطَ اليَمَامُ مَعَ السَّرَابِ
وَجَرَى الرَّنِينْ
وَشَبَّتْ النِّيرَانُ فِيهِ
جَرَى الرَّنِينُ
سَلاَسِيلاَ
اخْضَرَّ الرَّنِينْ
جَدَاوِلاَ
اصْفَرَّ الرَّنِينُ
سَنَابِلاَ
كَمْ قَالَتْ الأَمْوَاجُ
لاَ تَذْهَبْ بَعِيداً فِي المِياَهْ
كَمْ قَالَتِ الأمْواَجُ
لَوْ تَرْسُو قَلِيلاً فِي المِياَهْ
تَبْقَى قَلِيلاً فِي المَوَانِىء
كَيْ نَرَاكَ وَلاَ نَرَاكْ
يَا مَنْ رَآنِي طُولَ عُمْرِي
فِي الشَّبَكْ
مَاتَ السَّمَكْ
عَاشَ السَّمَكْ
سَقَطَ المَطَرْ
ذَابَ الشَّجَرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
كَلْبٌ عَلَى الشُّبَّاكْ
فِي فَمِهِ القَمَرْ
قَيْسٌ وَلَيْلَى فَوقَ سُرَّتِهَا
حَجَرْ
وَعَلَى يَدَيَّ العَنْكَبُوتْ
تِينٌ وَرُمَّانٌ وَتُوتْ
الشَّوْكُ فَتَّحَ فِي فَمِي
والنَّحْلُ فِي رِئَتِي يَمُوتْ
ياَ مَنْ يَمُوتُ
وَلاَ يَمُوتْ
حَاوَلْتُ وَصْفَكَ فِي المَوَانِىء
مَا الذِي أَصِفُ
وَلاَ أَصِفُ؟
يَا أَيُّهَا القُرْبَانُ فَوْقَ أَصَابِعِي
يَقِفُ
وَالرِّيحُ عَاتِيَةٌ وَالكَفُّ تَرْتَجِفُ
وَأَنْتَ تَرْتَجِفُ
يَا أَيُّهاَ الصَوَّانُ وَالخَزَفُ
ياَ أيها الدم يطفو فوقه الصدفُ
حاولت وصفكَ فِي المَوانِىءِ
ما الذِي أَصفُ
ولاَ أصِفُ؟
وذِراعُكَ العَنْقودُ
كَمْ عَصَرُوا
كَمْ قَطَفُوا
حاولتُ وصفكَ فِي المَوانِىءِ
هاهناَ
فوقَ الشِّراعِ رَسمتُ شُبّاكاً
ورُحْتُ أَعُضُّهُ
لأَشُقَّهُ
وأَطِلُّ منهُ عَلَى دَمِي
عَلَى وجهِ المِياهْ
ويخْتَفي
زَبدٌ دَمِي
وَأَنا المطوَّقُ كالحمَامةِ بالدَّمِ
وأَنا
أَنا
وأَنا على لوح اللّهبْ
والماءُ فتَّحَ فوقَ عَنْقي
مثلَ كأسٍ رَاحَ يطفو
فَوْقَ عَنْقودِ العَنْبْ
صُبُّوا عليّ بِحارَكُمْ
صُبُّوا عليّ رِياحكُمْ
سَأظلُّ فوقَ الموجِ
لستُ غريقَكُمْ
فأنا الغرَقْ
ولَسَوْفَ أجْبِلُ موْجَكُمْ
خشباً
وأعجنهُ ورقْ
وَعَلَى أصابعِ موجةٍ أبني سريراً
وأُعلِّقُ المصْباحَ
والوطنَ الصّغيراَ
الآنَ عاصمةٌ جديدهْ
الآنَ نافِذَةٌ جديدهْ
الآنَ عَنْوانٌ جديدْ
هذا زمانُ الماءِ
كيفَ تُألِّفُ البيتَ الجديداَ؟
الآنَ أين تُعلِّقُ الشُّهداءَ
والشُّعراءَ؟
أَين تقولُ للشُبّاكِ
كُنْ نافورةً
وتَقولُ للكُرسيِّ كُنْ حوتاً
كبيراً أو صغيراً
الآنَ كيف بدونِ عينيها
أكونْ؟
مَطَرٌ بلونِ الياسمينْ
سحابةٌ قصَّتْ ضفائرَهاَ
لتكسو السّندِيانْ
سَفَرٌ بلونِ السّنديانْ
مَطرٌ بلونِ السّنديانْ
موتٌ بلونِ السّنديانْ
وأنتَ رمّانُ على الرُمّانِ
مكسورٌ
وريحانٌ على الرّيحانِ
مذبوحٌ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تدورُ
ولاَ تَدورْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تسيرْ
ولاَ تسيرْ
و أنتَ عليكَ أن تبقى تطيرُ
ولاَ تطيرْ
و أنتَ عليكَ أن تبقى تميلُ
ولاَ تميلْ
و أنتَ عليكَ أن تبقى تقولُ
ولاَ تَقولْ
و أنتَ عليكَ أن تبقى القتيل
ولاَ قتيلْ
وأنتَ إنْ وجدوكَ
مكسوّاً
بريشِ الشّمسِ
شوكاً
أحرقوهْ
وأنتَ إن أعطاكَ عُصفورٌ
جناحاً
حطَّمُوهْ
وأنتَ إن أعطاكَ
قبرُ أبيكَ
شُبّاكاً صغيراً
أغلقوهْ
ياَ منْ يتوهُ
وَلاَ يتوهْ
منْ أيِّ محْبرةٍ شَرِبْتْ؟
بأيِّ مقلاعٍ رُجمْتْ؟
بِأَيِّ مِزْمَارٍ ذُبِحْتْ؟
وَاهِ ياَ فَمَناَ المُدَنَّسْ
آهِ ياَ دَمَناَ المقَدَّسْ
آهِ ياَ سفرَ الهداهِدِ
في القصائدْ
آهِ ياَ نَوْحَ البَجَعْ
حطَّ الحمامُ على الشَّجرْ
سقطَ المَطَرْ
ذاب الحمام على الشّجرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
* * *
فلتَأخُذِ الحرْباءُ فرشاتي وألواني
ووجهي
كي تنامَ
وكي أنامْ
لوْ أنْ صوتَكَ يكسِرُ الصّخْرَ الغمامْ؟
لو أنَّ صوتَكَ يستريحُ
على يديَّ
لكي أنامْ
تعبتُ من صوتِ الرُّخامِ
تعبتُ من وجهِ الرُّخامْ
* * *
يأتي هديرُ البحرِ
مكتحلاً بلونِ البُرتقالْ
يأتي رذاذَ الشّمسِ
مصبوغاً بحنّاءِ الغزالْ
يأتي خريرُ اللّيْلِ
مكسوراً
وتنفجرُ الظّلالْ
جُمّيْزَةٌ كانتْ هناَ
ذهبتْ بعيداً في الرّمالْ
ياَ طائرَ الرُخِّ الذِي قصُّوا جناحِيهِ
تعالْ
مُعلَّقٌ أناَ من شراييني
غسيلُ اللّه في كلّ الحبالْ
* * *
يأْتي صهيلُ الأَرضِ
مطبعةٌ تدورْ
الأُمَّ تطبَعُ طفلهَا
والأرضُ تطبعُ ظلَّهَا
والبحرُ يطبعُ موجَهُ
والشّمسُ من جُرحٍ إلى جُرْحٍ
توزّعُ حِبْرًها وحليبَها
والشّمسُ إمرأةٌ على أشلاء متراسٍ
تَلِدْ
* * *
ياَ أَيُّها الوجهُ الذِي يطفو
على وجهي
ابتَعِدْ
واتْرُكْ على الأمواجِ
لِي سكِّينَ ماءْ
سأعيدُ هذا الوجهَ
للأمواجِ تغسلهُ
إلى الجلاّدِ يغسلُهُ
ويُسكنُهُ
فَحِينَ سَكَنْتُمُ وَجْهِي
تَغَيَّرَ لَمْ يَعُدْ صَوْتِي
تَعاَلَوْا قَدْ طَبَخْتُ لَكُمْ
أَكاليلَ الزُّهورِ
عجنتُهاَ بالمُلصَقاتِ
سَكبْتُ فيهاَ ماَ كَتبْناَ
منْ قصائدْ
ماَ كتبْناَ
قدْ دَفَنَّا
ماَ زَرَعَنْاَ
قدْ حَصَدْناَ
آهِ ضَيِّقَةٌ قُبُورُكُمْ
وَأَرْضُ اللّهِ ضَيِّقَةٌ
تَعاَلوْا في الهواءِ الطّلْقِ
نَسْأَلْ
عَنْ أَياديناَ
نُفتِّشُ في جُيوبِ اللّهِ
عَنْ حجرٍ وعنْ خَنْدَقْ
وَفَتَّشْناَ جُيوبَ اللّهْ
ماَذا في جيوبِ اللّه؟
غيرُ البحرِ والزّورقْ
وغيرُ الصَّمْغِ والمُلْصَقْ
هي الأمواجُ قدْ طبختْ
وقدْ عُجِنَتْ
وقدْ خُبِزَتْ
هي الطّاحونُ والزَّبَدُ
وشلاَّلٌ هو الزَّرَدُ
جرادٌ ما لهُ عددُ
هو السَّفرُ
ولاَ سفرُ
على أكتافنا الخصيانُ
قدْ باضوا
وقدْ فَقَسُوا
لَعِبْنَا لُعْبَةَ الشُّطْرَنْجِ
حُوصِرْنَا
وَدافَعْنَا
ذُبِحْنَا من أصابِعِناَ
وَدَافَعْناَ
وضَاقَتْ رُقْعَةُ الشَّطْرنْجِ
والمَلْعَبْ
وَشَاهٌ خَلْفَهُ الشّاهاتُ
تُعْطِيهِ عَساَكِرَها
لِكي يَلْعَبْ
وَكيْ يَغْلِبْ
وَكيْ يَبْقَى لهُ المَلْعَبْ
أَكانَ الشّاَهُ والشّاهاتُ فيناَ
في أصابِعِناَ
ولمْ نَعْرِفْ؟
أَحقّاً لم نكنْ نعرِفْ؟
وَكَمْ شَاهٍ أقامَ على أصابِعِناَ
أَقامَ هناكَ في فندقْ
أقام هناك في خنْدقْ
أقام ولم نكن نعرِفْ؟
أَحقّاً لم نكن نعرِفْ؟
يَنامُ الذِّئبُ ذُو الأجْراسِ
في المِرْآة
في وجْهي
ولاَ أَعْرِفْ؟
أحقّاً نحنُ لمْ نعْرفْ؟
أحقّاً نحنُ في عَمَّانَ لم نعرِفْ؟
وفي بيروت لم نعرِفْ؟
فهلْ نعرِفْ؟
ونحنُ الآنَ بين أصابعِ الحيتان
هلْ نعرِفْ؟
* * *
مَطَرٌ بلونِ اللّيلِ تذكرُ
شاَطِئاً
مَطَرٌ بلونِ الرّملِ
تذْكُرُ شاطئاً ومَوانِئاً
مَطَرٌ بلونِ الرّيحِ تذكرُ شاَطئاً
وموانئاَ
ومراكباَ
قِطَطٌ من المَرْجانِ تَملأُ حُجْرتي
شُعلُ المَطَرْ
مَطَرٌ
مَطَرْ
مَطَرٌ بلوني أيُّ لونٍ لي
سِوَى لونِ المَطَرْ؟
سَفَرٌ
سَفَرْ
* * *
قد كان إسمكَ ياَ حبيبي
في فم السجَّانِ أجملْ
قد كان وجهكَ ياَ حبيبي
في يد الجلادِ
أجملْ
قد كنت أجملَ ياَ حبيبي
كنت
مَطَر غزالُ اللّيلِ أكْحلْ
مَطَرٌ بِلَوْنِ قُبوركُمْ
مَطَرٌ بِلَوْنِ عُيُونِكُمْ
مَطَرٌ بِلَوْنِ وجوهِكُمْ
أَناَ أَيْنَ أجْمِلُكُمْ
مَعِي؟
وحقيبتي هي موجةٌ
علَّقتُ فِيهاَ أَضْلُعِي
أَناَ لسْتُ أعْرِفُ وسْطَ هذا البَلْقَعِ
مَنْ مَنْ عَلَيَّ من الذِّئَابِ
وَمنْ مَعِي؟
أناَ مُنْذُ غاَبتْ عنْ يديَّ
عيُونُكُمْ
ورَكِبْتُ قَبْراً آخَراَ
أَصْبَحْتُ شَيْئاً آخَراَ
الآنَ كيفَ أَعودُ أزْرَعُكُمْ
سَراباً آخراَ
مطرٌ يُكوِّمُ ماءهُ
تَلاًّ
ويَزْرَعُ فَوْقَهُ نَخْلاً
وَيعطي للخناجرِ ذاكِرَهْ
* * *
هذا العَشَاءُ هو الأخيرُ
على موائِدِكُم
تعبتُ من موائِدِكُمْ
تعبتُ من العناكِبِ في قميصي
والفراشةُ فوقَ كَفّي
لم تلِدْ
غيرَ الزّبَدْ
نافورةٌ والماءُ خيطُ العنْكَبوتْ؟
ياَ مَنْ يَموتُ ولاَ يَموتْ
هذا العشاءُ هو الأخيرُ
على موائدِكُمْ
وهذا الدِّيكُ ذو الوجْهيْنِ
شاَهِدْ
إنِّي أناَ الزّاني
أَنا الجاني
وكلُّكُمُ ملاَئِكةٌ
وكُلُّكُمْ قَصائِدْ
هذا العشاءُ هو الأَخيرُ
على موائدِكُمْ
وإنِّي الآنْ الآنَ أعرِف
آكِلي لحْمَ الخُيولِ الميِّتهْ
لَحْمَ المَراياَ الميِّتَهْ
لَحْمَ الرِّياحِ الميِّتَهْ
* * *
هذا العشاءُ هو الأخيرُ
على موائدِكُمْ
فمنذُ الآنَ سوفَ أكونُ وجْهِي
لم تكن عذراءَ نخلَتُكُمْ
ولاَ عذراءَ مَرْيَمُكُمْ
فلاَ بيضاً صنائِعُكُمْ
ولاَ خُضراً مَراَبِعُكُمْ
ولاَ سوداً مواقِعُكُمْ
ولاَ حُمراً مَواضِيكُمْ
أَلاَ تَبَّتْ أَياَدِيكُمْ
وداعاً ياَ ليالي الكَرْنَفَالْ
* * *
مَطَرٌ بِلَونِ الكَرْنَفالْ
سَفَرٌ بِلَونِ الكَرْنَفالْ
مَوْتٌ بِلَونِ الكَرْنَفالْ
النّارُ شَبَّتْ في النَّسِيمِ الأَخْضّرِ العَرْياَنِ<>
وانْفَجَرَ الشِّراعْ
كانَ الشِّراعُ هو القناعْ
سقطَ الشّراعُ على الشّراعْ
سقطَ القناعُ على القناعْ
عارٍ كَنَهْرٍ ضفّتاهُ يَداكَ
وانْفجرتْ يداكْ
طارتْ أصابِعُناَ
سنابلْ
جمِّعيها مرّة أُخرى
بكَفِّي
جمِّعيها كيَّ أُقاتِلْ
ما الذِي أَبْقاكَ حيّاً
كيْ تَرى
ذَبْحَ الوُعُولْ
على الوُحولْ؟
سَفَرٌ يَطولْ
سَفَرٌ
سَفَرٌ
سَفَرٌ الفراشةِ للقَمَرْ
سَفرُ السَّفينةِ في الحجرْ
سَفَرُ الثَّعالِبِ في عناقيدِ الدَّمِ
سفر المراكِبِ شبّتِ النِّيرانُ فيهاَ
من يديَّ إلى فَمِي
* * *
يأْتي الرَّصاصُ إِليْكَ
من كلِّ الرِّياَحِ الأَرْبَعُ
يأْتِي الرَّصاَصُ إِليْكَ
منْ كُلِّ الشَّباَبيكِ التّي فُتِحَتْ
على كلِّ الرِّياَحِ الأَرْبَعِ
كُلُّ الجِهاَتِ الأَرْبَعِ
الآنَ تَعْرِفُهُمْ وَتَعْرِفُ أنَّ خيطَ مُعاَوِيَهْ<>
هوَّ حبْلُ مشْنَقةٍ بكَفِّ مُعاَوِيَهْ
الآنَ تَعْرِفُهُمْ وتعرِفُ
أَنَّ أَطْفاَلَ المَداَرِسِ
وَحْدَهُمْ
في بِئْرِ زَيْتٍ
وَحْدَهُمْ
في قَرْيَةٍ مَنْسِيَّةٍ
كُلُّ العَربْ
الآنَ تعْرِفُ أَنَّ شَوْكَ الكَفِّ
شَيْءٌ غَيْرَ عُشْبِ الأَرْضِ
تعْرِفُ أَنَّ غَزَّةَ
غَيْرَ أَشْباَحِ المُدُنْ
الآنَ تعْرِفُ أنَّ شُبّاَكاً صغيراً
منْ تُرابِ الأَرْضِ
مفْتوحاً لوجْهِكَ
وحْدَهُ
سَتُطِلُّ منه على الوَطَنْ
الآنَ تَعْرِفُ أنَّ للسِكِّينِ
فُرْصَتَهَا
وَصورتَهَا
وللقُرْباَنِ فُرْصَتُهُ
وصُورَتُهُ
الآنَ تَعْرِفُ أنَّ منْشوراً
بِحجمِ الكفِّ
مكْتوباً بِرمشِ العينِ
في ناَبُلْسَ
أَبْقَى منْ جَراَئِدِهِمْ مُطَرَّزَةٍ
بِأَسْلاَكِ الذَّهَبْ
الآنَ تعرِفُ أنَّ هذا الصَّمْتَ
ذاَ الأَشْواَكِ
مِنْ شِيَمِ العَرَبْ
الآنَ تعرِفُ أنَّ صَمْتَكَ
لمْ يَكنْ ذَهَباَ
وَلاَ خَشَباَ
وَأَنَّكَ حينَ تَصْمُتُ
يَصْعدوُنَ إِلى فَمِكْ
أَبَدأْتَ تُحصي أضْلُعَكَ؟
كمْ مِنْ ضُلوعِكَ والحصارُ يضيقُ
قد وقَفَتْ مَعَكْ؟
الآنَ تَعرِفُ أَنَّ للدَّوراَنِ
قاَنوناً
كَماَ للقَمْحِ طاَحُوناً
وَتعْرِفُ أنَّ قَمْحَهُمُ ذُباَبْ
وأنَّ خُبْزَهُمُ سَراَبْ
الآنَ تَعْرِفُ أَنَّ كَفّاً
صَافَحوكَ وَباَيَعوكَ ِبهَا
أصاَبِعُهاَ مَساَميرُ الصّليبْ
النّحْلُ ملءُ الأَصْلُعِ
تَأْتِي إِليكَ النَّارُ
منْ كُلِّ الجِهاتِ الأَرْبَعِ
تَأْتي إِليَّ النّاَرُ
هَلْ هذا الذِي في جَوْرَبِ الجَلاَّدِ
جِلْدُ مُخَيَّمِ اليَرْمُوكِ
صاَرَ قَمِيصُهُ
أَهْدى مُسَدَّسهُ لأَوْراَقِي؟
وكنْتُ أَظُنُّهُ حِبْراَ
فَكاَنَ الوَحْلَ في وجْهِ القَصيدَهْ؟
تأتي إِليَّ النّاَرُ
هلْ هذا الذِي في خُوذَةِ الجَلاَّدِ
يَسْلَقُ رَأْسَ طِفْلِي
كاَنَ في يومٍ أَباً مِثْلِي؟
وكاَنَ يَقُولُ
إِنَّ اللّه أفقرُ شاَعِرِ في الأَرْضِ
هلْ هذا الذِي في خُوذَةِ الجَلاَّدِ
يَسْلَقُ ثَدْيَ أُمِّي
يَعْرِفُ الفُقَراَءَ والشُّعَراءَ
يَحْتَضِرُ الخَناَجِرَ كُلَّهاَ
في وَجْهِ أُمِّهْ؟
تَأْتِي إِليَّ النَّارُ
هلْ هذا الذِي ذَبَحوهُ
مِنْ سَاقيهِ
يَنْهَضُ منْ دمي
يَمْشي إِليَّ عصاهُ شِرْياَني
وساَقِي بُنْدُقِيَّهْ؟
أَيُّهاَ الوجْهُ المكرّرْ
أنتَ لاَ تحتلُّ وجْهي
إنّما تحتلُّ قبرَكْ
* * *
يَسْقطُ الآنَ
قرابينُ منَ الماَءِ المطرْ
يسقطُ الآنَ
سكاكينُ من الماءِ المطرْ
أنتِ تزْدادينَ عُرْياً
وأنا أزدادُ عُرْياً في المَطَرْ
يبدأُ الآنَ السَفَرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
* * *
آهِ ياَ مرْكبِ نوحِ
لستَ نوحاً
يجمعُ العَنقاءَ والحرْباءَ
في كأسٍ ودَرْبْ
كُلَّ ماَ هَبَّ ودَبَّ
فكفى ما رقصَ الرّاقِصُ في الثّورةِ
رفضَ – الْهو لا هوبْ
يَدُهُ في كلِّ جُرْحٍ
فمُهُ في كلِّ جيبْ
وكفى ما عانتِ المَرْكَبُ
منْ شدٍّ وجذْبْ
وكفى أشرِعةُ المرْكبِ
حرْقاً
بعدَ صلْبْ
ليسَ كلبُ البحرِ
بحّاراً
تَعبناَ
منْ كِلاَبِ البحْرِ
فوقَ الأشْرِعهْ
منْ كِلاَبِ البحْرِ
تحتَ الأشْرِعهْ
منْ رُقادِ الضَّبْعِ في جُرْحِ النَّخِيلْ
* * *
ما تبقّى معكَ الآنَ
هوَّ الكلُّ القليلْ
ما تبقّى معك الآنَ
هوَّ الزِّلْزاَلُ ذو الظلِّ الظّليلْ
ما تبقّى معك الآنَ
هيَّ الأرضُ التي أعطتكَ
إسْماَ
ما تبقّى معك الآنَ
هيَّ الكفُّ التي ترسُمُ
في النِّيرانِ
شُبّاَكاً
ونجماَ
ما تبقّى معك الآنَ
هوَّ الجُرْحُ الذِي أبقاكَ
حَيّاَ
* * *
ما تبقّى منْهُمُ؟
هَلْ صَحَّحوا الشُبَّاكَ
قدْ ماَلَ قَليلاً
أوْ كَثيراً
حينماَ هَدُّوا المُخَيَّمْ؟
ما تبقّى منهُمُ
هلْ صحَّحوا الأَشْجاَرَ قدْ مَالتْ
شَماَلاً أو جَنوباَ
حينماَ إغْتالُوا عليْهاَ
كُلَّ بُرْعُمْ؟
ماَ تبقّى منهُمُ
هلْ صحّحوا الأوراقَ والأخْطاءَ
دبّابةُ مأجورٍ مُؤَجَّرْ؟
ماَ تبقّى منهُمُ
هلْ صحّحوا عُنْقَ الفَلَسْطِينِييِّ
إذْ مالَ
بِخِنْجَرْ؟
أَيُّها الوجْهُ المُكَرَّرْ
أَنْتَ لَنْ تَحْتَلَّ ظِلاًّ
أَنْتَ لَنْ تَحْتَل طِفْلاَ
أَنْتَ لَنْ تَحْتَل وجْهِي
إِنّما تحْتلُّ قبرَكْ
ما طَراَبُلْسُ البدايَهْ
ما طَراَبُلْسُ النِّهايَهْ
إنّها أوَّلُ أَيَّامِ السَفَرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
طالَ السَفَرْ
عاشَ السَفَرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ

الجمعة، 7 أكتوبر 2016

كوخ الشجرة Tree House

ولدت في منطقة تمتلأ بأكواخ الاشجار، لكن في الفلبين وجدت أكواخ الأشجار مطلة على المحيط مباشرة، كانت تجربة مختلفة، أترككم مع الفيديو

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2016

هل سافرت مع روحٍ من "المدينة المنورة"؟



  شخصياً، حين ما أقابل روحاً من "المدينة المنورة"، فإني أسلمها نفسي واضعاً فيها ثقتي المطلقة. سافرت مع صديقي "حسام الصاعدي - رحالة من المدينة المنورة- مع اننا بالكاد نعرف بعضنا. التقينا واقفين في معرضٍ في الرياض،  لكن اللقاء كان كافياً لإن نعرف بإن ارواحنا متشاكلة ومتجاورة، وإننا مستعدون للسفر مع بعضنا لآخر العالم. وفي غضون أشهر، وجدنا أنفسنا في الفلبين. أن تنقل شخصاً من ظل نخل المدينة إلى ظلال نخل جوز الهند، لا بد أن يتغيّر ويسفر عن وجه الحقيقي، فهل يُسفر لي السفر – كما هي عادته- عن وجهٍ آخر لأبناء المدينة المنورة؟
  ولرحلةٍ كاملة مجنونة، لم تنقطع أحاديثنا وضحكنا ومتعتنا، عبرنا جزر الفلبين واحدة تلو الأخرى، كلٌّ منا يتعرف على الآخر قبل تعرفه على شواطيء جوز الهند. ليس من عادتي ان أرحل مع صديق، فالوحدة هي صديقتي، لكني – دون أن أعرف السبب – وجدت نفسي متوائماً مع هذه الروح، ووجدت بإن معدن أبناء المدينة يحلو في السفر، إذ أنهم أكثر مرحاً وفكاهة في سفرهم. (يقول الإمام الثعالبي: إنما سمي السفر سفراً، لإنه يسفر عن وجه صاحبه).  
 من اللحظة الأولى، كانت اسباب الخلاف موجودة، ولكننا لم نختلف قط: أين نذهب/نأكل/ننام؟ لم تكن هذه الأمور مخططة أو مجهزة، كنا نرتجل خطواتنا، نقع في الحفر، نحمل شنطنا ونمضي ضاحكين. ومن خلال أسفاري، من النادر أن تجد صديقاً لا يعاتبك أو يخالفك في رحلة كهذه مليئةٍ بالأخطاء، لكن حسام من النوع الذي يقدر جَلالَ الثانية وعَظَمَةَ الدقيقة، فلا يضيّعها بالعتبى. نكتفي بتبادل النظرات مع كل خطأ، النظرة تقول بإن هذا الخطاً درس يجب أن لا نقع فيه، ثم نعود فوراً إلى مرحنا، تاركين لأرواحنا حرية التحليق؟
أنا إنسان مُتعسر الذوق فيما يخص المدن! وهذا ما يجعلني أفضل مكة على المدينة، لأن كمية المرح والضحك لدى المكاويين لا يعدلها شيء في العالم (حتى في القاهرة وهافانا)، لكنها مرهونة بقدرتك على ان تجد طريقك في حواري مكة. أما عن المدينة فإني لا آتي بجديد حينما اتكلم عن طيبة أهل طيبة، فهم "عجوة" بين التمر، يتميزون ببركة دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم)، وارتباطهم الحنون بالأرض والتراب. أنا أحب المكاويين، لكنني أثق في المدنيين. (مكة الجديدة بالكاد أعرفها بسبب المشاريع الاعمارية)

×××
عالم الأرواح كونٌ مختلفٌ، كونٌ يتوازى مع عالم الأجساد والفيزياء، ولكن "بينهما برزخ لا يبغيان".  حينما تخطو خطواتك الأولى في هذا العالم، عليك أن تُسْلِمَ وتُسَلّمَ. اترك عقلك وراءك، واسبح مع الأرواح الأخرى. لن تجد إجابة مقنعة في باديء الأمر: لماذا أحببت هذه الروح؟ ولِمَ نَفرتَ من تلك؟ ..."ما تآلف منها إئتلف، وما تناكرَ منها اختلف".
 الأصل أن الأرواح لا ترتبط بالجغرافيا. والإستثناء أن بعض الأراضي تصرُّ على إنتاج أرواحٍ ذات روحٍ وريحان. كما هي أرض "المدينة المنورة"، هي استثناء على كل القواعد الروحية. الصلصال الذي يُنفخُ فيه من هذه الأرض، يتحلى بطيبةٍ وصدقٍ فطري، يتشقق في داخلهم كـ"الفقع"، لا تعرف له جذوراً. وهذا نبنينا –صلى الله عليه وسلم- جَفَتهُ أرواح مكة الجافة، لِتَحْمِلهُ أرواح المدينة فتُخْرِجَ لَهُ البدر من ثنيات الوداع، حينما تقف في حضرة مدني، كن "موسى" وليكن هو "خضراً"، صدقني لن تندم.  
×××


هل يمكن أن يكون للجغرافيا أثرٌ على الروح (وليس الشخصية)؟ سافر مع صديق من "طيبة" قبل أن تجيب على السؤال. 


  
  


الخميس، 21 يوليو 2016



تبدو فيينا مدينة كلاسيكية، وقد تكون مملة بعد فترة، لذا قررت أن أستكشفها بطريقة مختلفة.. وإليكم هذه الطريقة

الاثنين، 20 يونيو 2016

رسالة الرحالة



إذا كانت الحياة مدرسة، فإن "السفرُ" جامعةٌ

الرحالة صنف ممتاز من البشر، كسروا حواجز الجغرافيا، وثقفوا أنفسهم من خلال قراءة العالم، قراءة واقعية صادقة تغور في عمق البشر والمجتمعات، وتمكنوا بجوارحهم من ملامسة الفرق الهائل الذي تصنعه الجغرافيا في البشر، وشاهدوا الفرق بين المجتمعات المزدهرة والمتخلفة، لذا يجب أن تكون عقليتهم واسعة تؤهلهم على صنع فرق كبير في البشرية. وكما إنه لا يحق لمن حصل على شهادة عليا الجلوس في المنزل وكتم علمه، فإن من تخرج من مدرسة الأسفار يجب أن يكون فاعلاً في مجتمعه وعالمه وصانعاً للفوارق. 

تاريخياً، مع بداية قدرة الإنسان على السفر والكتابة، أصبح الرحالة "زرقاء اليمامة" في كل مجتمع، ينقلون له ما يحدث في العوالم الأخرى، كما فعل مارك بولو حينما نقل لأهل فينيسيا عالم الصين المدهش، وكان الفينيسيون أغنى شعوب أوروبا والبحر المتوسط في وقتها، ولديهم ثقة كبيرة بما يمتلكون، ولكن حينما قرؤا ما كتبه بولو أسموا كتابه "المليون"، دهشة منهم بالملايين التي يذكرها الكتاب، فهو يتكلم عن مدن يسكنها ملايين البشر وأشياء تشترى بملايين ليرات الذهب، بينما سكان فينيسيا وما تحكمه من أقطاعيات لا يتعدى المائة وعشرون ألف نسمة!
وفي فترة أخرى أصبح الرحالة، أجهزة إستخبارات وقرون إستشعار للحكومات والشركات الكبرى، فأصبحوا يحددون الأماكن التي يجب أن تستعمر أو تترك، والأماكن التي تحتوي على ثروات طبيعية -بما فيها البترول-لكي تشترى أو تحتل.
وفي العصر الحالي، أصبح الرحالة جسر سلام ومحبة بين الثقافات والشعوب، خصوصاً بين الثقافات التي لم يسبق لها أن تصافحت ولا تعانقت من قبل، وتنامى دورهم في المشاريع الخيرية والتطوعية حول العالم. وباتوا مسئولين عن نقل الثقافات الإيجابية والمفاهيم الخضراء إلى كل بقعة حول العالم. وفي كل البقع الفقيرة التي تزورها، ستجد رحالةً عاش مع الناس فترة، ثم قرر أن يبني مدرسة من طين، بيت أيتام، أحذية، بقرة، دراجة، بئر ماء...
وهنا يجب أن نفرق بين الرحالة والمسافر، الرحالة الذي تزيده كل دولة عمقاً، وبين مسافرٍ تزيده الأسفار جهلاً. ليس أسهل من السفر في زمننا، تستطيع أن تشتري تذكرة وفندقاً بلمحة بصر من أي تطبيق على جوالك وتسافر، ولكن ذلك لن يصنع منك رحالة، حتى وإن صورت كم صورة من قلب مدينة غريبة لمتابعينك، أو جمعت بعض المعلومات من ويكيبيديا وتلوتها في السناب شات، فإن ذلك لن يصنع منك رحالة، إذا لم تصادق الناس وتخترق المجتمعات إلى قلبها، وتتغير أنتَ كإنسان، فإنك ستظل مجرد مسافر لم يتغير فيه شيءٌ سوى ختم جديد على جوازه.
أخشى ما أخشاه أن ننزلق نحن الرحالة الخليجيون إلى ما يريده الخليج الإستهلاكي منا: فنادق فارهة ومطاعم تخمة! وننسى ما تعلمناه في "مدرسة الرحلة" من تواضع وبساطة، ننسى أن كل شخصٍ نقابله هو معلمنا، ننسى رسالتنا في نقل ثقافة الشعوب الأخرى، والمقارنة البنّاءة بيننا وبين الآخر، وتعريف الناس بنا، وترك بصمة وأثر في قلب كل من نقابله. علينا أًن نُذَكر شعوبنا بآلاء الله علينا، وأن نعرف الشعوب الأخرى علينا. علينا أن ننشر الخير في بيئة فقيرة ندخلها، ونترك ورائنا رائحة طيبة.
إذا لم يفعل الرحالة شيئاً من ذلك، فإن روحه لم تستفد من الرحلة شيئاً، و رحلته مجرد رياءٍ لمنصات التواصل، وسيسأله الله عنها يوم القيامة.
أخي الرحالة... لا يزال في الوقت متسع، لكي تنصت للشعوب، وتتأمل ملامح تاريخها، وتفتح عقلك من جديد، ثم تقرر أن تكون صاحب بصمة خير أينما حللت ورحلت.