الثلاثاء، 13 سبتمبر 2016

هل سافرت مع روحٍ من "المدينة المنورة"؟



  شخصياً، حين ما أقابل روحاً من "المدينة المنورة"، فإني أسلمها نفسي واضعاً فيها ثقتي المطلقة. سافرت مع صديقي "حسام الصاعدي - رحالة من المدينة المنورة- مع اننا بالكاد نعرف بعضنا. التقينا واقفين في معرضٍ في الرياض،  لكن اللقاء كان كافياً لإن نعرف بإن ارواحنا متشاكلة ومتجاورة، وإننا مستعدون للسفر مع بعضنا لآخر العالم. وفي غضون أشهر، وجدنا أنفسنا في الفلبين. أن تنقل شخصاً من ظل نخل المدينة إلى ظلال نخل جوز الهند، لا بد أن يتغيّر ويسفر عن وجه الحقيقي، فهل يُسفر لي السفر – كما هي عادته- عن وجهٍ آخر لأبناء المدينة المنورة؟
  ولرحلةٍ كاملة مجنونة، لم تنقطع أحاديثنا وضحكنا ومتعتنا، عبرنا جزر الفلبين واحدة تلو الأخرى، كلٌّ منا يتعرف على الآخر قبل تعرفه على شواطيء جوز الهند. ليس من عادتي ان أرحل مع صديق، فالوحدة هي صديقتي، لكني – دون أن أعرف السبب – وجدت نفسي متوائماً مع هذه الروح، ووجدت بإن معدن أبناء المدينة يحلو في السفر، إذ أنهم أكثر مرحاً وفكاهة في سفرهم. (يقول الإمام الثعالبي: إنما سمي السفر سفراً، لإنه يسفر عن وجه صاحبه).  
 من اللحظة الأولى، كانت اسباب الخلاف موجودة، ولكننا لم نختلف قط: أين نذهب/نأكل/ننام؟ لم تكن هذه الأمور مخططة أو مجهزة، كنا نرتجل خطواتنا، نقع في الحفر، نحمل شنطنا ونمضي ضاحكين. ومن خلال أسفاري، من النادر أن تجد صديقاً لا يعاتبك أو يخالفك في رحلة كهذه مليئةٍ بالأخطاء، لكن حسام من النوع الذي يقدر جَلالَ الثانية وعَظَمَةَ الدقيقة، فلا يضيّعها بالعتبى. نكتفي بتبادل النظرات مع كل خطأ، النظرة تقول بإن هذا الخطاً درس يجب أن لا نقع فيه، ثم نعود فوراً إلى مرحنا، تاركين لأرواحنا حرية التحليق؟
أنا إنسان مُتعسر الذوق فيما يخص المدن! وهذا ما يجعلني أفضل مكة على المدينة، لأن كمية المرح والضحك لدى المكاويين لا يعدلها شيء في العالم (حتى في القاهرة وهافانا)، لكنها مرهونة بقدرتك على ان تجد طريقك في حواري مكة. أما عن المدينة فإني لا آتي بجديد حينما اتكلم عن طيبة أهل طيبة، فهم "عجوة" بين التمر، يتميزون ببركة دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم)، وارتباطهم الحنون بالأرض والتراب. أنا أحب المكاويين، لكنني أثق في المدنيين. (مكة الجديدة بالكاد أعرفها بسبب المشاريع الاعمارية)

×××
عالم الأرواح كونٌ مختلفٌ، كونٌ يتوازى مع عالم الأجساد والفيزياء، ولكن "بينهما برزخ لا يبغيان".  حينما تخطو خطواتك الأولى في هذا العالم، عليك أن تُسْلِمَ وتُسَلّمَ. اترك عقلك وراءك، واسبح مع الأرواح الأخرى. لن تجد إجابة مقنعة في باديء الأمر: لماذا أحببت هذه الروح؟ ولِمَ نَفرتَ من تلك؟ ..."ما تآلف منها إئتلف، وما تناكرَ منها اختلف".
 الأصل أن الأرواح لا ترتبط بالجغرافيا. والإستثناء أن بعض الأراضي تصرُّ على إنتاج أرواحٍ ذات روحٍ وريحان. كما هي أرض "المدينة المنورة"، هي استثناء على كل القواعد الروحية. الصلصال الذي يُنفخُ فيه من هذه الأرض، يتحلى بطيبةٍ وصدقٍ فطري، يتشقق في داخلهم كـ"الفقع"، لا تعرف له جذوراً. وهذا نبنينا –صلى الله عليه وسلم- جَفَتهُ أرواح مكة الجافة، لِتَحْمِلهُ أرواح المدينة فتُخْرِجَ لَهُ البدر من ثنيات الوداع، حينما تقف في حضرة مدني، كن "موسى" وليكن هو "خضراً"، صدقني لن تندم.  
×××


هل يمكن أن يكون للجغرافيا أثرٌ على الروح (وليس الشخصية)؟ سافر مع صديق من "طيبة" قبل أن تجيب على السؤال.