الجمعة، 17 يونيو 2016

أستغفرك يا رمضان...

أستغفرك يا رمضان
لماذا أتيت يا رمضان؟
في كل عام تأتي، تُصّرِ على أن تعلمنا الزهد والكفاف، ونصر على أن نعلمك البذخ والإسراف. تريد أن تعلمنا قرصة الجوع وإحساس الفقراء، ونعلمك نحن بدورنا تخمة الكرش ومباهاة الأغنياء.
نحن أمة تغوص في الدهن والزيت واللحم والرز، وأنت تبشر بالتمر والماء والخبز. نحن ضدان لا نتفق، فلماذا تصرّ علينا إصرار نوحٍ على قومه.
بما أنك أتيت، دعني أخبرك شيئاً، في تلك السنة، سلكت طريق الحج المسيحي في أسبانيا، وقابلت الكثير من الحجاج المسيحين. لا زلت أذكر زوجين من عائلة فاحشة الثراء، لا يأكلان سوى الخبز والماء والخضرة والفاكهة، ويسيران كل يومٍ أكثر من عشر ساعات في طريق الحج. كانا يجيبانيا على إستغرابي، بإنهما يفعلان هذا الشيء قربة لله عز وجل، وترويضاً للنفس التي اعتادت على شهوات الطعام! كنت أنظر لتلك الفتاة البلجيكية الشقراء الطويلة الجميلة، التي مشت لأكثر من شهر، لا تأكل إلا الفتات، وحينما سألتها قالت: عشت مترفة أكثر من 25 سنة أتقلب في نعم الله، لذا فإن الزهد لمدة شهر لوجه الله، هو أقل ما نفعله. حينما قابلت نساك البوذا في تبت الصين، كان أحدهم يأكل الرز حافياً لعدة أشهر، كان أستاذه يقول له: شهوة البطن ستسمر معك طول عمرك، لذا أول طريقك إلى الله هو أن تقتل تلك الشهوة.
أستغفرك يا رمضان، لكننا نفشل كل عامٍ في اختبار الجوع. إذهب إلى أوروبا، آسيا، أفريقيا، هناك أمم أكثر صدقاً في الزهد وترويض النفس، هناك سيفهمون رسالتك. نحنا لسنا أهلك، نحنا لسنا بأهل زهد، نحن نأكل اللحم والإيدام مع كل مدفع، ثم نأتي في أول يوم عيد نحتفي باللحم، كأننا لم نذقه من قبل!
نحن نوقن بإننا على موعد مع القبر، مع الآخرة، مع الله، لكننا لا نكترث لذلك. نحن أضعف من أن نروّض أنفسنا، من أن نحرمها قليلاً. نحن نسمع أن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يعيش على الخبز والزيت والتمر، آل بيته كانوا يطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً وينامون جوعى. صحابته كان ينهر أحدهم الآخر لأنه اشتهى عنباً واشتراه: أكلما اشتهيت اشتريت!!!
أما نحن فنرى الفقراء يتساقطون جوعاً في قارات العالم، ثم نتبرع بعدة دنانير، ونشعر براحة نفسية، ونظن باننا اجتزنا الصراط وصرنا على أبواب الجنة.
أرجوك يا رمضان ارحل، أمامنا البرياني والهريس واللقيمات وأنت تحاضرنا عن الجوع!
***
ماذا طبختم للفطور؟

عبدالكريم الشطي 
Q8backPacker

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق