الثلاثاء، 29 مارس 2016

"الصيام الإلكتروني"

 - الصيام الإلكتروني -
كيف نكافح الإدمان الإلكتروني؟

قال رحمه الله:
"العزلة/الخلوة في هذا الزمن هي شجاعتك في إقفال تلفونك لأيام!"
منذ فترة لاحظت تعلق من حولي بالشاشة، فلا يمر عليهم دقائق إلا وأعادوا النظر إليها. بدا لي أن الناس انتقلوا من المقاهي والبيوت والدواوين إلى التسكع في ساحات تويتر والمشي في عالم سناب والتجول في وجوه الأنستغرام والتندر على فكاهة الواتس آب. لكني في وقتها لم ألحظ نفسي، ولم أدرك مدى غرقي أنا في الآخر في هذه الدنيا الإلكترونية. إلى أن بدأت في مراجعة بعض المشاريع في حياتي، ولاحظت أن كل مشاريع متأخرة ومعطلة ومؤجلة، وبعد الوقوف أمام المرآة طويلاً لإصلاح نفسي، أكتشفت أن وسائل التواصل كانت سبباً رئيسياً في ذلك. وبدأت لحظتها رحلة إرادة صعبة في مواجهتها، محدداً أيام صارمة من الصيام، وساعات قليلة من الإستخدام، فكان أول ما لاحظته هو أنفراج في مشاريعي الحياتية ودوران عجلة إنجازي من جديد، فأحببت أن أشارككم بهذه التجربة.

خلف كل وسيلة تواصل هناك فريق متخصص، هدفه أن يبقيك مغلولاً في تطبيقه لأطول قدر ممكن. ومن أهم الأشياء التي يناقشها هذه الفريق هو منعك من الأنسحاب، ويشير هوشجمان (أحدي مصممي الأنستغرام) إلى ذلك في دراسات نفسية مطولة تم إعدادها بهذا الشأن. لذلك فإن وسائل التواصل مصممة بوصفة هيروينية تدفعك للإدمان، جرب بنفسك أن تلغي حسابك من أي تطبيق، ستجد نفسك عاجزاً عن ذلك. 
لكن كيف يحدث مثل هذا الإدمان الإلكتروني؟
1.   تقنعك الشركات بإن تخلفك عن إستخدام هذه الوسائل سيؤدي إلى عزلتك الأجتماعية، وأنك تخلفت عن ركب مجتمعك وأنك في طريقك للخلوة، فتندفع لفتح حساب "مجاني" لن يكلفك شيئاً. ويسمى هذا  الشعور "فومو"= الخوف من العزلة (FOMO: fear of missing out)، ثم تبدأ عملية محاصرتك من خلال وسائل زيادة المتابعين (التي تشبع غرورك) وعدد المعجبين وتعليقاتهم و...إلخ.
2.    ترى الدراسات أن أكثر من 80% من المحتوى في وسائل التواصل هي محتويات شخصية، تخص حياة الإنسان، وحديث الإنسان عن نفسه يسبب أن يفرز العقل موادا تزيد من سعادته ونشوته، لذا حينما أخذوا أشعة مقطعية MRI لعقول مستخدمي وسائل التواصل، وجدوا أن إفرازات السعادة تزداد مع أستخدام هذه الوسائل، وهنا "المصيدة".
3.   إذ أن المسألة تتحول بعد ذلك إلى عادة يومية، ومنها إلى إدمان، يشابه إدمان السجائر. ويصبح الإنسان متوتراً وعصبياً إذ حرم الإنترنت لوقت طويل. وقد لاحظت ذلك في أثناء أسفاري حينما لا يكون لدي إنترنت، أجد نفسي أفتح هاتفي الذكي – لا شعورياً – لتفقد حساباتي.
4.   طورت الشركات عملها من خلال "الفلاتر الذكية" - اشتهرت بها قوقل في البدايةـ تقوم بمراقبة أنماط المستخدمين وأمزجتهم من خلال مصفوفات حسابية  Algorithmic Filteringومعادلات معقدة، تجعلها قادرة على خلق وسائل جديدة لجذب الناس وإبقائهم في دائرة الإدمان لأطول فترة ممكنة. وهذه الشركات تتعامل معنا كفئران تجارب لكي تصل إلى تقديرات فلكية لقيمة هذه الشركات المتوحشة.
وقد قال رحمه الله:
"إياكم والموبايل، فإنه يضعكم في زنزانة أفتراضية، شباكها الوحيد هو شاشة الموبايل"
اليوتيوب مثلاً، نجح في خلق بيئة إدمان لشريحة كبيرة ممن يقلّون عن 20 سنة (بما فيهم الأطفال من عمر سنتين!)، وذلك لسببين: أولاً: أنه تخطى القنوات التلفزيونية في خضوعه لنزوات ورغبات المشاهد في أي وقت، ثانيا: نجح في تشجيع الشباب لصناعة فيديوات خاصة تشعر المشاهد بإن المشاهير يتحدثون معه ولأجله. كما أن الخيارات –التي تم أعدادها عن طريق المصفوفات الحسابية- التي يضعها اليوتيوب مع مشاهدة كل فيديو، ستجعلك متشنجاً أمام الشاشة لساعات، جرب أن تغطي طفلاً صغيرا اليوتيوب لمدة ساعة! (ولهذا الأمر آثار سلبية قاتلة على الشخصية والصحة)
وفي مواجهة هذا الإدمان طرحت إحدى المؤسسات البحثية برنامجا خاصاً أسمه "99 يوماً من الحرية" WWW.99daysoffreedom.com .  يتعهد المشارك فيه أن لا يستخدم الفيس بوك لمدة 99 يوماً، ثم يجرون أبحاثاً عن سعادتهم وشعورهم خلال هذه الأيام. ويطلبون منهم خلال هذه الفترة أن يغيروا صورتهم ويكتبوا بوستاً وداعيا، ثم تبدأ فكرة الصيام. وتشير النتائج الأولية إلى أن الكثيرين يفشلون في الصيام بعد الأيام الأولى، لإن هذه البرامج مصممة بطريقة نفسية صعبة تجعل الصيام عنها شاقاً على الإرادة البشرية.
الآن أسأل نفسك، هل أنت مكبلٌ بالأصفاد الإلكترونية؟ هناك أعراض واضحة لهذا المرض: هل تقلق لعدد متابعينك والإعجابات؟ هل تفتح الجهاز بمجرد استيقاظك من النوم أو خلال الساعة الأولى؟ هل تفتحه كلما شعرت بالملل؟ هل تشعر بإن مشاريعك الأخرى في الحياة (مثل قراءة كتاب، عمل خير، فنون، تجارة...) قد تعطلت أو تأخرت؟ هل تغضب إذا انسحب احد متابعينك أو قرر أحد أصدقائك عدم متابعتك؟
إذا كانت لديك هذه الأعراض، فعلى الأرجح أن وسائل التواصل بدأت تهدد حياتك وتشكل خطراً على توازنك، وهنا أنصحك بـ "الصيام الإلكتروني". وأول مرة سمعت فيها بهذا المصطلح، كانت من الصديق فراس بقنه (نشط في وسائل التواصل) في الرياض، حيث قابلته وكان للتو خرج من الصيام الإلكتروني وكان يحدثني عن هذه التجربة، وجربت بنفسي في عدة فترات أن أصوم عن وسائل التواصل لأجد نتائج مبهرة على حياتي.
هذه الشبكات لم تعد خطورتها على صحتنا أجسادنا، بل باتت تطال وظائفنا وصداقتنا وعلاقاتنا العائلية. كم واحداً منا أصبح متزوجاً من تليفونه، وكم شخصاً أصبح صديقاً لشاشته...
ألا تعتقد أنه حان الوقت لأن تدخل حراءً إلكترونياً؟


هناك 8 تعليقات:

  1. مقال أكثر من رائع فعلاً أنا بحاجة للصيام شكراً جزيلاً لك .

    ردحذف
  2. الف شكر.. مقالك ملهم
    انا طالب جامعي
    استخدامي للجوال 6-7 ساعات في اليوم من سنوات على هذا المنوال
    قررت استخدمه ساعة واحدة فقط في اليوم لمدة شهر
    قد انجح وقد افشل .. لكن ساخبركم ان شاء الله بنتائج تجربتي سواء نجحت ام فشلت


    ردحذف
    الردود
    1. أسأل الله لك التوفيق.

      في حال رجوعك لقراءة تعليقات الزائرين على تعليقك، فاسمح لي أن أخبرك بنتيجة اختبارك: أنك قد فشلت.

      حذف
    2. ننتظرك أخي ، أنت قدوتنا =))

      حذف
  3. فعلا العقل بحاجه الى الصيام عن هذه المواقع التى تشغل الفكر والعقل وتشتت أفكارك اشكرك فكرة رائعه

    ردحذف
  4. فعلا العقل بحاجه الى الصيام عن هذه المواقع التى تشغل الفكر والعقل وتشتت أفكارك اشكرك فكرة رائعه

    ردحذف
  5. نحن نقدم مجموعة واسعة من الخدمات المالية والتي تشمل: تخطيط الأعمال والتجارية وتمويل التنمية، خصائص والرهون العقارية، القروض توطيد الديون، القروض التجارية، القروض الخاصة، وقروض السيارات، قروض الفندق، والقروض الطلابية، والقروض الشخصية الرئيسية إعادة تمويل قروض بفائدة منخفضة معدل @ 3٪ السنوي إلى الأفراد والشركات والهيئات الاعتبارية. الحصول على أفضل لعائلتك وامتلاك منزل أحلامك، وكذلك مع مخططنا القرض العام.

    رقم الهاتف: + 91-7418483326
    ما سوب: + 91-7418483326
    البريد الإلكتروني: lendingplc@gmail.com

    ردحذف