السبت، 26 مارس 2016

كيف أصبح رحالة؟


السؤال الذي يطرح علي 10 مرات في اليوم.

يقول لي أحد أصدقائي الرحالة:
"لطالما أستهوتني صور الرحالة، ولكن لم يسبق لي ان جربت حياة الرحالة، ثم في لحظة يأس وملل، قررت السفر فجأة إلى مخيم إيفرست الشهير Everest camp. وذهبت لمتاجر أغراض الرحلات Outdoors Stores، وأشتريت كل العدة الإحترافية اللازمة، ولبست ماركات الرحالة من رأسي إلى أخمص قدمي. وبعد يومين من بدء الرحلة كانت الهليوكبتر تحملني من منطقة قريبة من مخيم أيفرست إلى أقرب مشفى طبي بسبب سقوطي مغشياً عليه نتيجة لعبة ضغط المرتفعات، وتكبدت خسائر مالية كثيرة! لكنها البداية التي تعلمت منها كل شيء"
                                                              ***  
لا يمر عليّ يومٌ - في وسائل التواصل الأجتماعي - دون سؤال من الجمهور: كيف أصبح رحالةً؟ وشخصياً لم أعرف إجابة هذا السؤال من قبل، لإن دخولنا في عالم الرحلة والإستكشاف كان إرتجالاً ونتيجة لخبرات تراكمية لم يكن مخطط لها من قبل، لذا لا أجد أجابة معلبةً جاهزةً لهذا السؤال. ولطالما قسمت السفر إلى عدة درجات مختلفة: أولاً السفر، ثم السياحة، وأخيراً الرحلة. وفي عالم الرحلة هناك أكثر من صنف للرحالة، وأصنف نفسي رحالةً اجتماعياً يهتم باكتشاف الثقافات والمدن، وإجابتني ستقتصر على الرحالة الأجتماعي فقط. ولإن الكثير يعتقد بإن أول خطوات الرحلة أن تشتري ماديات وحاجيات تصنع منك رحالة! قررت أن أكتب هذا المقال. و سأحاول جمع عدة نقاط إرتكاز أساسية تشكل بداية جيدة لكل رحالة:
1.   سافر بروحك قبل جسدك:
 ماذا ألبس؟ أي شنطة تنصح بها؟ ما هي المعدات اللازمة؟...إلخ. هذه كلها أشياء شكلية وديكورات غير مهمة. المهم هو تواضع روحك وقبولها للآخرين، المهم أن لا تشعر بإنك أرقى أو أفضل أو أسعد منهم بشيء، اللحظة التي تشعر فيها بتقزز أو نفور من ثقافة أو مجتمع أو شخص، يعني أنك قد بنيت حاجزاً غليظاً سيمنعك من التمازج معهم. هل رأيت شيخ الدين الذي يقيم الليل ويصوم النهار ويرى نفسه أحقر الخلق وأصغرهم، ذلك مكانك في الرحلة، أقل الناس قدراً وأوضعهم ثقافة. وستكتشف حينها أن الآخرين – ممن استصغرتهم – يملكون أشياء لا تشترى. هذه الروح المتواضعة – وحدها – تجعلك تشارك عشرة أرجنتينين في شرب المتة من مصاص واحد، ومن بعدها ستدخل معهم في ثرثرة لا تنتهي تفهم من خلالها العقد الأرجنتينية المتراكمة في دواخلهم. هذه الروح تجعلك تجلس مع الاثيوبين في غرفة "البركة" حيث يتناولون القات ولتنكشف اسرارهم ودواخلهم. هذه الروح المنفتحة تعطيك تلك اللمسة الحانية التي تمسح فيها على أي مجتمع لتخرج الجنيَّ من المصباح. لا زلت أذكر حينما كنت في ماراكايبو في فنزويلا – من أخطر المدن العالم- حيث كنت أتنقل بكيس بلاستيكي يجمع احتياجاتي، وكانت من أسعد أسفاري وأكثرها عمقاً وغوراً في مدينة لا يجرؤ أحد على زيارتها، لكن الروح المنفتحة هي من تفتح لك المصاريع.
2.   معلوماتك هي سلاحك:
بقدر ما تقرأ عن المجتمع، بقدر ما تتفتح لك الحوارات والأبواب والبيوت. وكلّ ما عرفت أكثر عن المدينة، كلما سهل عليك تكوين علاقة حب ناضجة معها. والمعلومات قد تكون: تاريخاً (مادتي المفضلة)، سياسةً، رياضة (التي أجهلها) اجتماعاً، أخباراً، أقتصاداً، رموزاً، فنوناً... ونوعية المعلومات ستقودك إلى نوعية العلاقات البشرية التي ستنسجها. فمعرفتك – مثلاً – بـ"كرة القدم" ستعرفك بالطبقة التي تعشق الكرة، بينما معرفتك بالسياسة ستفتح لك أبواب المهتمين بالشأن السياسي. ونصيحتي في تجميع المعلومات عن المدينة تتدرج على النحو التالي:
1.  كتب تخطيط الرحلات Guide books: والتي عادة ما تمنحك  ثقافة شاملة عن البلد والتنقل فيها، وغالب الشركات –المحترمة- تقوم بتنقيح كتبها سنوياً. وللأسف لا يوجد شركات عربية تصدر كتب التخطيط للرحلات، والشركات تترجم كتبها لعدة لغات عدا العربية لقلة الرحالة العرب، وأعتماد العرب على المعلومات السمعية.
2.  كتاب تاريخي: بالنسبة لي فهم تاريخ المدينة هو السبيل الوحيد لفهم حالتها الراهنة، كما أن فهم التاريخ يعطي للأماكن قيمتها ويعطيك شعور التناغم والأندماج مع المكان. فزيارة "مدرسة الحسن" أو "مدرسة ابن طولون" في القاهرة لن يكون لها معنى دون فهم تاريخ المماليك. ولن تفهم تكوين الشخصية المكسيكية ولا احترامهم المبالغ فيه للناس من غير معرفة ماذا فعل الاستعمار الأسباني بهم؟ ولن تعرف لماذا يحب المصريون توزيع الألقاب مثل:باشا، بيك، أفندم ... إلا بعد معرفة التاريخ العثماني في مصر.
3.  قراءة مذكرات شخصية لرمز من رموز البلد: لإن المذكرات الشخصية تعطيك إيقاع الحياة اليومي للمدينة، وتعطيك الكثير من عاداتهم الراهنة التي ترتبط بشخصية المدينة. فقراءة "مذكرات كاسترو" سيجعلك تفهم لماذا توجد صور عبدالناصر في متحف الثورة.
4.  صحيفة يومية: متابعة قراءة صحيفة يومية لمدة أسبوعين قبل السفر سيتيح لك أن تكون ملماً باحداثهم اليومية، وخصوصاً السياسية والرياضية والأمنية. وهو ما يعطيك القدرة للحديث مع الناس بكل انسيابية.
أعتقد ان تجهيز عقلك بكل أو بعض ما سبق سيسهل عليك رحلتك.

3.   تكوين علاقات إلكترونية:
المواقع الالكترونية أصبحت تسهل التعارف على الناس، ما عليك إلا ان تكتب شيئا من أهتماماتك في جوجل وستجد العجب العجاب، ولا يزال الفيس بوك هو الأقوى والأكثر تأثيراً في تكوين علاقات دولية.
4.  المدونين والفيديويين ( إن صحت الترجمة)  Bloggers & Vloggers:
 أوصيكم بالرحالة المدونين، فهم ينقلون الكثير من المعلومات المعاصرة عن الدول، فهم يقدمون أدب رحلات تفاعلي ومعلومات طازجة. أما الفيديويين VLOGGERS فهم مدونون يقدمون مذكراتهم اليومية بالفيديو، ولهم مدوناتهم الخاصة او قنوات على اليوتيوب.

5.  اللغة: تعلم الكلمات الأساسية سيبسط لك الأمور، ويشجع الناس على التعرف عليك.
6.  التخطيط المبكر: وهو ما يساعد في خفض التكلفة، واستثمار الوقت، وبناء صداقات مبكرة، وهو ما سيعينك على أختيار حاجاتك المناسبة من شنطة وملابس ولحاف وخيمة.  
وإذا كانت العرب ترى الفصاحة في الإيجاز، أوجز الأجابة على سؤال كيف تكون رحالة؟ بعبارة واحدة: القليل من الجرأة والكثير من الثقافة.


عبدالكريم الشطي
رحالة كويتية

Q8backpacker

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق